
الطبيعة القانونية لشيكات الضمان
الأستاذ/ عبدالباري هائل الصوفي – باحث قانوني
#اعرف_حقك_وقانونك ⚖️🇾🇪
تمهيد:
من المعلوم قانوناً أن الشيك أداة وفاء قابل للدفع بمجرد الاطلاع عليه لدى القوانين العربية والدولية، ويتميز ببعض الصفات والخصائص الفريدة والجوهرية عن غيره من الأوراق التجارية؛ بحيث أنه يتمتع بالحماية الجنائية إضافةً لخضوعه للأحكام الخاصة به في القانون التجاري، وهي أحكام تضفي على الأوراق التجارية السهولة وسرعة التداول والثقة، وقد شاع لدى المتعاملين بالشيك استخدامه – بخلاف وظيفته الأصلية – كأداة وفاء – فشاع بين الناس عرفاً مصطلح شيك الضمان. وشيك الضمان قد يستخدم لأداء وظيفتي الوفاء والضمان معاً فيكون أداة ضمان بحيث لا يكون الغرض من إصداره، استخدامه في حد ذاته كأداة لوفاء الدين، ويكون أداة ائتمان بأن يكون المقصود منه أداء دين محدد الأجل غير قابل للدفع الفوري. وقبل البدء في الحديث عن طبيعته القانونية سوف نتطرق الى معرفة ماهيته وفكرة نشأته على النحو الاتي:
أولاً / فكرة نشأته في العرف التجاري: يعتبر شيك الضمان من صنيع العرف والمعاملات التجارية، ولهذا السبب لا نجد له أي ذكر في المواد الخاصة بالشيكات في القانون اليمني وأيضاً القوانين العربية، وكان سبب نشأته هو تميزه بإضفاء الحماية الجنائية عليه؛ لأن في الغالب شيكات الضمان تُصدر دون رصيد، وقد حظرت وجرمت التشريعات العربية والقانون اليمني "اصدار شيك ما لم يكون للساحب لدى المسحوب عليه وقت انشاء الشيك نقود يستطيع التصرف فيها بموجب شيك" – مادة (310/عقوبات – 531/تجاري يمني)، ولهذا فالدائن يسعى للحصول على ضمان خاص من المدين لأجل وفاء الدين غير مستحق الأداء، فالضمانات العامة التي تتمثل بالذمة المالية للمدين والضمانات الشخصية من كفالة وغيرها والضمانات العينية كالرهن ونحوه، تستغرق وقتاً وعدداً كبيراً من الإجراءات القانونية حتى يتم التنفيذ على محل الضمان بالإضافة إلى النفقات والجهد، وبالتالي لا تشكل ضغطاً كافياً على إرادة المدين المماطل للوفاء بما ترتب على عاتقه من دين. وبناءً على ما سبق بيانه، فقد فكر الدائنون بضمان يتضمن ضغطاً على إرادة المدين للوفاء، وذلك عن طريق الحصول على شيك من المدين بقيمة الدين الذي في ذمته كأداة للضمان ولكن ليس بغرض تقديمه للوفاء فوراً وذلك بجعل تاريخ إصدار الشيك تاريخاً لاحقاً على تاريخ تحريره ومتطابقاً من أجل استحقاق الدين أو يتم الاتفاق على عدم تقديمه للوفاء، فإذا لم يقم المدين بسداد الدين في الموعد المحدد فحينها يقوم الدائن باتخاذ إجراءات قانونية ضاغطة وسريعة التنفيذ؛ لأجل الضغط على إرادة المدين كتقديمه للنيابة للعامة في حال صُدر بدون رصيد، وأيضاً من خلال الاستفادة من نص المادة (263) من قانون المرافعات اليمني فالشيك يعد ورقة يمكن المطالبة بها عن طريق أوامر الأداء، كونه حال الأداء ثابت بالكتابة معلوم القدر.
ثانياً/ ماهية شيك الضمان: "هو شيك مكتمل الأركان يتفق الأطراف على اصداره كضمان للالتزام القائم على المدين ولا يقدم للدفع الفوري؛ بغرض تأمين وضمان لحقوق الأطراف في العقود والمعاملات التجارية والمدنية، والاستفادة منه مبنية على خرق الالتزام". والجدير بالإشارة أن الشيك العادي المنصوص عليه قانوناً يختلف عما يسمى بشيك الضمان فيما يتعلق بتاريخ الإصدار، فالشيك العادي واجب الاستحقاق لدى الاطلاع عليه فوراً، بحيث أن تاريخ الإنشاء هو نفسه تاريخ الاستحقاق بخلاف شيك الضمان الذي لا يُراد وفاء قيمته فوراً بمجرد الاطلاع ولا يتضمن تاريخاً للاستحقاق، على عكس الكمبيالة والسند لأمر أيضاً، غالباً ما تتضمن تاريخ اصدار وتاريخ استحقاق، فاذا لم تتضمن الكمبيالة أو السند لأمر تاريخ استحقاق يكونان وفقاً لنصوص المواد (423 – 524) من القانون التجاري اليمني والتشريعات العربية أنهما مستحقان الوفاء بمجرد الاطلاع عليهما، على غرار الشيك الذي من صفاته الجوهرية أنه أداة وفاء قابل للدفع بمجرد الاطلاع بغض النظر عن غرض تقديمه أو تاريخ استحقاقه.
ثالثا/ الطبيعة القانونية والقضائية لشيك الضمان: بالرجوع إلى كافة القوانين العربية والدولية نلاحظ أن الشيك أداة وفاء قابل للدفع بمجرد الاطلاع عليه ولا يعرف في القانون بشيك الضمان، وإنما اتفاق الأطراف والمتعاملين به حرفوه عن وظيفته القانونية - كأداة وفاء- وتحويله إلى أداة ضمان، إلا أن القانون اليمني والقوانين العربية والأحكام القضائية يؤكدان أن الشيك أداة وفاء بقوة القانون والنظام العام مهما كان السبب والغرض من تقديمه أو تاريخ استحقاقه، وسيكون توضيحنا لطبيعته القانونية بحسب الأوجه الأتية:
الوجه الأول/ التكييف القانوني لشيكات الضمان: نصت المادة (549) من القانون التجاري اليمني " يكون الشيك مستحق الوفاء بمجرد الإطلاع عليه وكل بيان مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن وإذا قدم الشيك للوفاء قبل اليوم المبين فيه كتاريخ لإصداره وجب وفاؤه في يوم تقديمه" إذن من خلال قرأت النص وتفسيره فإن المشرع اليمني أوجب أن يكون الشيك أداة وفاء قابل للدفع فوراً بمجرد الاطلاع عليه حتى لو تم إصداره بتاريخ لاحق أو تم الاتفاق على أنه شيك ضمان، وقد أبطل المشرع اتفاق الأطراف على جعل الشيك أنه أداة ائتمان وتحريفه عن وظيفته الأصلية بقوله" وكل بيان مخالف لذلك يعتبر كأن لم يكن"، وبالرجوع أيضاً الى القواعد العامة يتبين أن وظيفة الشيك ك "أداة وفاء" من القواعد الأمرة المحصنة بقوة القانون لا يجوز الاتفاق على مخالفتها وتحريفها، وكل اتفاق أو بيان يطرأ على الشيك ويغير مسار وظيفته وحقيقته الأصلية، يُبطل الاتفاق ويظل الشيك متحصناً بوظيفته -كأداة وفاء- مستحق الدفع بمجرد الاطلاع عليه مهما كان الباعث والغرض من اصدار الشيك.
الوجه الثاني:/موقف القضاء اليمني من شيك الضمان: من خلال الرجوع والاطلاع على الأحكام القضائية تقرر أن محكمة النقض اليمنية قد أصدرت أحكام عديدة تؤكد أن الشيك أداة وفاء قابل للدفع بمجرد الاطلاع عليه وليس أداة ضمان مهما كان غرض واتفاق الأطراف على تقديمه، ومن هذه الأحكام أنها قضت في جلستها المنعقدة بتاريخ 26/ شعبان/1426ه الموافق 29/9/2005م في الطعن رقم (24399) بأن"...... ادعاء الطاعن مخالفة الحكم الاستئنافي للقانون حينما اعتبر الشيكات أداة وفاء وليست أداة ائتمان ولم يأخذ بعين الاعتبار الاتفاق المؤرخ 16/11/2003م....الخ وهذا النعي في غير محله ذلك أنه وكما هو معلوم من القانون بالضرورة أن الشيكات أداة وفاء وليس أداة ائتمان وأن الالتزام الوارد في الشيك هو التزام صرفي مجرد ومستقل عن العلاقة المنشئة له بين الساحب والمستفيد...." وكما قضت أيضاً في جلستها المنعقدة بتاريخ 29/محرم/1426ه الموافق 10/3/2005 في الطعن رقم (21760) بأن ...." الشيك يعتبر مستحق الأداء بتاريخ تحريره ويلتزم المسحوب عليه بأداء قيمته بمجرد الاطلاع عليه وبذلك فإنه لا يقوم بوظيفة الائتمان بل يستعمل كأداة وفاء تجري مجري النقود في المعاملات وكل شرط يخالف هذا المبدأ يعتبر كأن لم يكن....." - وبتاريخ 31/5/2009م صُدر حكم عن الدائرة التجارية بالمحكمة العليا في الطعن التجاري رقم (33940) لسنة 1430هـ وخلاصة أسباب هذا الحكم (ومن حيث ما نعاه الطاعن من خطأ الشعبة فيما استندت اليه من اعمال المادة (549) تجاري حيث أن نص المادة المذكورة متعلق بانقضاء الالتزام الثابت في الشيك في حالة تدوين تاريخ لاحق لتاريخ إصداره الحقيقي مما يؤكد أن الحكم المطعون فيه قد تجاهل هذه الحقيقة مما يجعله باطلاً حسبما ورد في عريضة الطعن بالنقض، والدائرة تجد أن هذا النعي مردود عليه لأن موضوع النزاع شيكان أخرجهما الحكم الابتدائي عن طبيعة الشيك ووظيفته -كأداة وفاء- إلى وسيلة من وسائل الضمان وهذا لا يجوز قانوناً في حين أن الحكم الاستئنافي المطعون فيه قد أعاد للشيك اعتباره كأداة وفاء بعد أن بحث أحكام الشيك الواردة في نصوص القانون بما في ذلك المادة (549) تجاري بشكل مستفيض وتأكد من بيانات الشيكين موضوع النزاع وتوفر شروطهما المطلوبة قانوناً فكانت النتيجة المحققة من بحث هذه النصوص والشروط المطلوبة للشيكين تؤدي بالضرورة لإلغاء الحكم الابتدائي ومن ثم لا يعيب الحكم الاستئنافي المطعون فيه استناده للمادة (549) تجاري التي توجب الوفاء بالشيك عند الاطلاع، ولذلك فإن الدائرة تحكم بالآتي..."
الخلاصة: فقد تقرر وتبين من خلال النص القانوني والأحكام القضائية أن الشيك أداة وفاء وليس أداة ضمان، وأن استعماله كوسيلة ضمان يتنافى مع طبيعته القانونية، فالشيك لا يؤدي إلا وظيفة الوفاء بقيمته بمجرد الاطلاع عليه فوراً، وقد أبطل وأهدر المشرع كل اتفاق أو شرط وبيان يخالف حقيقة أصل وظيفة الشيك كأداة وفاء بقوله (- مادة- 549/ تجاري)" وكل بيان مخالف يعتبر كأن لم يكن......" ويظل الشيك أداة وفاء قابل للدفع بمجرد الاطلاع عليه مهما كان الباعث والغرض من إصداره.
المراجع: