دراسة قانونية دستورية في مشروعية المطالبة بفك الارتباط في اليمن

دراسة قانونية دستورية في مشروعية المطالبة بفك الارتباط في اليمن
إعداد الأستاذ مبارك بجاش البكاري 
#اعرف_حقك_وقانونك ⚖️🇾🇪

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الملخص:
يتناول هذا البحث، الصادر عن منصة اعرف حقك وقانونك، التحليل القانوني والدستوري لمشروعية المطالبة بانفصال جزء من أراضي الجمهورية اليمنية، والمعروفة سياسيًا بمطلب "فك الارتباط"، وذلك من منظور أحكام الدستور اليمني وقواعد القانون الدولي العام. ويهدف البحث إلى بيان مدى اتساق هذه المطالبة مع مبدأ وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية، وحدود تطبيق مبدأ حق تقرير المصير، مع تحليل الشرعية الدولية لاتفاقية الوحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. ويخلص البحث إلى عدم وجود سند دستوري أو دولي يجيز الانفصال الأحادي، وأن قرارات المجتمع الدولي نفسها ترسخ وحدة اليمن، وتؤكد أن أي معالجة عادلة للقضية الجنوبية يجب أن تتم ضمن الإطار الدستوري والسياسي للدولة اليمنية الموحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المقدمة
تُعد مسألة المطالبة بانفصال جنوب اليمن من أكثر القضايا القانونية والسياسية تعقيدًا في السياق اليمني المعاصر، لما تحمله من أبعاد دستورية وسيادية ودولية. وبالنظر إلى تعدد الطروحات السياسية حول هذه المسألة، تبرز الحاجة إلى مقاربة قانونية علمية محايدة تُعيد النقاش إلى أُطره الدستورية والدولية الصحيحة. وانطلاقًا من الدور التوعوي والتحليلي الذي تضطلع به منصة اعرف حقك وقانونك في تعزيز الوعي الدستوري والقانوني، يأتي هذا البحث لتحليل الأساس القانوني لمطالب فك الارتباط، والوقوف على مدى مشروعيتها في ضوء الدستور اليمني والقانون الدولي العام. ويسعى البحث للإجابة عن التساؤل الرئيس الآتي: هل تستند المطالبة بفك الارتباط إلى أساس قانوني مشروع وفقًا للدستور اليمني وقواعد القانون الدولي؟

أولاً: الإطار الدستوري لمبدأ وحدة الدولة في اليمن
يمثل دستور الجمهورية اليمنية المرجعية القانونية العليا الناظمة لشكل الدولة ونظامها السياسي. وقد أسس الدستور مبدأ الوحدة الوطنية كقاعدة دستورية آمرة لا تقبل التجزئة أو التعطيل.
حيث تنص المادة (1) من دستور الجمهورية اليمنية على أن:
"الجمهورية اليمنية دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة، وهي وحدة لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزءٍ منها، والشعب اليمني جزء من الأمة العربية والإسلامية." [1]
يُستفاد من هذا النص أن وحدة الدولة مبدأ دستوري تحصيني، وأن أي مساس بالسلامة الإقليمية يُعد مخالفة دستورية صريحة. وعليه، فإن المطالبة بالانفصال الأحادي تفتقر إلى المشروعية الدستورية، وتُعتبر أي مطالبة أو إجراء يهدف إلى الانفصال أحادي الجانب غير دستوري وباطل قانوناً على المستوى المحلي، لتعارضه مع النص الأعلى في الهرم القانوني للدولة.

ثانياً: مبدأ وحدة الدولة والسلامة الإقليمية في القانون الدولي العام
يُعد مبدأ احترام وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية من المبادئ المستقرة في القانون الدولي العام، والمكرسة في ميثاق الأمم المتحدة. وبموجب هذا المبدأ، لا يجيز القانون الدولي الانفصال أحادي الجانب للأقاليم التابعة لدولة ذات سيادة، إلا في حالات استثنائية ضيقة جداً [2].
وبالنظر إلى الحالة اليمنية، نجد أن شروط الانفصال القانوني غير متوفرة:
أولاً، لا يوجد نص دستوري داخلي يجيز الانفصال، بل إن الدستور اليمني يحظره صراحةً في المادة (1). 
ثانياً، لم تصدر موافقة قانونية من الحكومة المركزية المعترف بها دولياً على الانفصال. 
ثالثاً، لا ينطبق تصنيف الإقليم كمنطقة محتلة أو خاضعة للاستعمار، حيث كانت الوحدة اليمنية اندماجاً طوعياً بين دولتين ذات سيادة (الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية) [3]. 
إن غياب هذه الشروط يعني أن المطالبة بالانفصال أحادي الجانب لا تجد سنداً لها في القانون الدولي العام، الذي يميل إلى حماية استقرار الدول ووحدتها.

ثالثاً: حدود تطبيق حق تقرير المصير
يرتبط حق الشعوب في تقرير مصيرها، كما تبلور في القانون الدولي، بشكل أساسي بحالات إنهاء الاستعمار والاحتلال الأجنبي الخارجي، وهو ما يُعرف بـ "حق تقرير المصير الخارجي" [3].
التطبيق على الحالة اليمنية:
تمت الوحدة اليمنية في عام 1990 بين دولتين مستقلتين باتفاق طوعي، وتم تأكيدها باستفتاء شعبي على الدستور، مما يجعلها حالة اندماج طوعي وليست حالة استعمار أو احتلال خارجي. كما أن النزاع الذي أعقب الوحدة، وتحديداً حرب عام 1994، تم توصيفه من قبل المجتمع الدولي كـ "نزاع داخلي" ضمن الجمهورية اليمنية. وقد أشارت قرارات مجلس الأمن الدولي، مثل القرار رقم (924) والقرار رقم (931)، إلى "الحالة في الجمهورية اليمنية"، مما يؤكد أن الحرب كانت تجري داخل دولة واحدة ذات سيادة، وينفي صفة الاحتلال من الناحية القانونية [4].
وبناءً على ذلك، لا يمكن استخدام مبدأ حق تقرير المصير كذريعة قانونية لتفكيك دولة ذات سيادة تأسست طوعاً، حيث أن هذا الحق لا يمنح الأقليات أو الأقاليم داخل الدول المستقلة الحق في الانفصال أحادي الجانب، إلا في ظل ظروف قهرية تتعلق بالاضطهاد المنهجي أو غياب التمثيل السياسي الفعلي (وهو ما يُعرف بـ "حق تقرير المصير العلاجي" الذي لا يُطبق إلا في أضيق الحدود ولا ينطبق بشكل واضح على الحالة اليمنية).

رابعاً: الشرعية الدولية لاتفاقية الوحدة وموانع الانفصال
تكتسب الوحدة اليمنية شرعية دولية إضافية تجعل من المطالبة بالانفصال أحادي الجانب أمراً مستحيلاً من الناحية القانونية الدولية، وذلك للأسباب التالية [5]:
اتفاقية دولية مُنشئة لدولة: كانت اتفاقية الوحدة الموقعة في 22 أبريل 1990 "اتفاقاً دولياً" بين دولتين كاملتي السيادة وعضوين في الأمم المتحدة، وتُصنَّف قانوناً كـ "معاهدة مُنشئة لدولة" (State-creating Treaty)، حيث اعتمدت صيغة "الوحدة الاندماجية" التي ألغت الشخصية القانونية للدولتين السابقتين وأعلنت ميلاد "دولة واحدة جديدة" هي الجمهورية اليمنية.
- قيد دولي ملزم: تم تسجيل هذه الاتفاقية في الأمانة العامة للأمم المتحدة بموجب المادة 102 من الميثاق، مما منحها صفة العقد الدولي الملزم، وأصبحت الجمهورية اليمنية بشكلها الموحد كياناً دولياً محمياً. ويُعد أي عمل داخلي يهدف إلى نقض جوهر الاتفاقية انتهاكاً لالتزام دولي مسجل.
- خلافة الدول بالتوحيد: يُصنف هذا الاندماج ضمن حالات "خلافة الدول بالتوحيد" (Succession of States by Unification)، مما أدى إلى انقضاء الشخصيتين القانونيتين للدولتين السابقتين كلياً وميلاد شخصية دولية واحدة وجديدة. ويفرض هذا المبدأ استحالة قانونية لإعادة إحياء الكيانين السابقين بقرار داخلي منفرد.
التأكيد الدولي المستمر:  دأب مجلس الأمن الدولي على تأكيد التزامه القوي بوحدة وسيادة وسلامة أراضي اليمن في كل قرار وبيان رئاسي (مثل القرارات 2014، 2051، 2140، و 2216)، مما يؤكد أن مسألة الوحدة اليمنية ليست موضع تفاوض أو خلاف دولي.
- السوابق الدولية لعدم الاعتراف: يؤكد الموقف الدولي على مبدأ عدم الاعتراف بالانفصال أحادي الجانب الذي يتم دون موافقة الدولة الأم، وتُعد حالة صوماليلاند (أعلنت انفصالها عن الصومال عام 1991) مثالاً دقيقاً على ذلك. فعلى الرغم من استيفائها الفعلي لمعظم مقومات الدولة (الإقليم، الشعب، الحكومة، السيطرة)، إلا أنها لم تحظ باعتراف أي دولة عضو في الأمم المتحدة أو أي منظمة دولية، وذلك التزاماً صارماً بمبدأ السلامة الإقليمية لجمهورية الصومال الفيدرالية، مما يوضح أن السيطرة الفعلية لا تكفي لتجاوز القيد القانوني الدولي.
- موانع إدارية واقتصادية: أدت عملية الدمج المؤسسي والقانوني إلى إعادة رسم الخريطة الإدارية والجغرافية لليمن (إلحاق مديريات شمالية بمحافظات جنوبية والعكس)، وهو ما نصت عليه الفقرة السادسة من اتفاقية الوحدة، مما يجعل أي محاولة للانفصال نقضاً لبند من بنود الاتفاقية الدولية. كما أن المشاريع الاقتصادية الموحدة (مثل مشروع غاز مأرب-بلحاف) خلقت تداخلاً حتمياً للثروات، مما يجعل الانفصال مكلفاً جداً ويهدد العقود الدولية الموقعة باسم الجمهورية اليمنية الموحدة.

خامساً: قرارات الفصل السابع وتأكيدها على وحدة اليمن
قد يثور جدل بأن خضوع اليمن لقرارات مجلس الأمن الصادرة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، مثل القرار 2216 لعام 2015، يضعف من سيادة الدولة ويفتح الباب لتغيير وضعها القانوني. لكن التحليل الدقيق لهذه القرارات يكشف عكس ذلك تمامًا. فالفصل السابع هو أداة قانونية تهدف إلى حفظ السلم والأمن الدوليين، ولا تستهدف الدول ككيانات، بل الأفعال والأطراف التي تهدد هذا السلم. واللافت أن جميع قرارات مجلس الأمن المتعلقة باليمن، بما فيها تلك الصادرة تحت الفصل السابع، تبدأ دائمًا بالتأكيد على "الالتزام القوي بوحدة اليمن وسيادته واستقلاله وسلامته الإقليمية". وبالتالي، فإن هذه القرارات لا تشكل سندًا للانفصال، بل على النقيض، هي تمثل ضمانة دولية إضافية لوحدة الأراضي اليمنية، وتعتبر أي محاولة لتقسيم البلاد تهديدًا مباشرًا للسلم والأمن الإقليمي والدولي الذي يسعى مجلس الأمن لحمايته.

الخاتمة والنتائج
استنادًا إلى التحليل الدستوري والقانوني المحلي والدولي، توصلنا إلى النتائج التالية:
١- عدم الدستورية المحلية: المطالبة بانفصال اليمن أحادية الجانب تتعارض بشكل صريح مع المادة (1) من الدستور اليمني، مما يجعلها غير دستورية وباطلة قانوناً على المستوى المحلي.
٢- غياب السند القانوني الدولي: لا يوجد سند قانوني في القانون الدولي العام يدعم الانفصال أحادي الجانب لجنوب اليمن، حيث لا تنطبق على الحالة اليمنية الاستثناءات التي تجيز الانفصال، كما أن حق تقرير المصير لا يُستخدم لتفكيك الدول ذات السيادة التي تأسست طوعاً.
٣- تحصن الوحدة: وحدة اليمن محصنة دستوريًا ودوليًا باتفاقية منشئة لدولة، مسجلة في الأمم المتحدة، وتُصنف ضمن حالات خلافة الدول بالتوحيد، مما يفرض استحالة قانونية لإعادة إحياء الكيانين السابقين.
٤- ضمانة دولية: قرارات مجلس الأمن الصادرة تحت الفصل السابع، بدلًا من أن تضعف الوحدة، تؤكد وتلتزم بسيادة اليمن وسلامة أراضيه، مما يضيف قيدًا دوليًا آخر على مشاريع الانفصال.
٥- النتيجة النهائية: 
 - إن المطالبة بـ "فك الارتباط" أو الانفصال أحادي الجانب هي مطالبة غير دستورية وغير شرعية بموجب القانونين المحلي والدولي. 
  - إن أي حل مستقبلي لقضية الجنوب يجب أن يتم عبر آليات قانونية ودستورية متفق عليها، وبموافقة الحكومة المركزية، أو من خلال عملية سياسية شاملة تضمن وحدة الدولة وسلامتها الإقليمية.

المراجع
[1] دستور الجمهورية اليمنية لسنة 1991م المعدل 2001م.
[2] ميثاق الأمم المتحدة.
[3] المودع، عبد الناصر.هل هناك سند قانوني لفك ارتباط أو تقرير مصير جنوب اليمن؟. اليقين. متاح على: 
https://www.alyqyn.com/70328
[4] قرارات مجلس الأمن الدولي أرقام: 924، 931، 2014، 2051، 2140، 2216.
[5] مراجع الفقه الدولي بشأن خلافة الدول والوحدة الاندماجية.
[6] القاضي درهم المقدم، الحصانة القانونية لاتفاقية الوحدة اليمنية وموانع عودة التشطير، مقال قانوني. متاح على: https://www.facebook.com/share/p/1BbLdJvWrY/

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.