الحق والتعسف في إستعماله
المحامية/ نسمة عبدالحق النجار.
رغم الاختلاف بين فقهاء القانون في تعريف الحق تعريف منضبط الحدود، ورغم الانتقادات الموجهة من قبل كل مذهب للآخر -( المذهب الشخصي، المذهب الموضوعي، المذهب المختلط، مذهب دابان)- إلا أن الملاحظ أن القانون المدني اليمني قد عرف الحق تعريفاً صريح وواضح العبارات والألفاظ ولم يدع مجال لأي تأويل- فلم يستخدم عبارات وألفاظ تحمل أكثر من تأويل- وهذا مسلك يُشكر عليه على الرغم أخذه من تعاريف الفقه القانوني وكأنه حاول أخذ إيجابيات كل مذهب وتجنب السلبيات محل الإنتقادات قدر المستطاع.
وذلك المسلك باعتقادي يعكس رغبة المشرع اليمني في محاولته لضبط حدود الحق وللحد من حالات التعسف في إستعماله ولكبح جموح رغبة أي صاحب حق في الاضرار بغيره مغلفاً تصرفه برداء الحق، وان حدث أياَ من صور الضرر فأن الحماية القانونية لصاحب الحق تُرفع عنه بقدر التعسف الصادر عنه ويقف القانون بصف المضرور بعد أن كان بصف صاحب الحق، حيث عرف القانون المدني الحق في المادة (121) منه بما نصه:(الحق هو مصلحة ثابتة للفرد أو المجتمع أو لهما معاً مادية أو معنوية يقرها الشرع وإذا تعلق الحق بمال فهو سلطة يكون للشخص بمقتضاها التصرف في هذا المال والانتفاع به واستعماله واستغلاله طبقاً للقانون وكل حق يقابله واجب يلتزم بأدائه من عليه الحق)، والواضح أن المشرع جعل من الحق والمصلحة وجهان لعملة واحدة فلا حق بدون مصلحة ولا مصلحة إلا بحق، فلا يمكن أن يثبت لشخص حق وليس له أي مصلحة مشروعة تخول صاحبها سلطة الإنتفاع به واستعماله واستغلاله طبقاً للقانون، فسلطة الشخص على حقه لم يتركه القانون لمزاجية صاحب الحق بل طبقاً لأحكامه ومواده النافذة التي حددت شروط الحق محل الحماية القانونية، والتي تختلف باختلاف نوع الحق المعترف به وفق القانون لأي شخص، وفي حال التنازع في مسألة ثبوت الحق قانوناً من عدمه فيرجع لقانون الإثبات وهذا حكم المادة (136) من القانون آنف الذكر حيث نصت على:( يرجع في إثبات الحق ونفيه إلى قانون الإثبات الشرعي)، وقد ختم المشرع اليمني تعريفه للحق بمبدأ ثابت وأساسي مسلم به شرعاً وقانوناً وعرفاً وعقلاً ومنطقاً وهو أن: "كل حق يقابله واجب".
ويفرق شُراح القانون بين أمرين الأول التصرف في الشيء والثاني مباشرة الحق، فالأول لا يكون إلا لصاحب الحق والثاني فقد يكون له أو من ينوبه "د. سُهيل الفتلاوي، النظرية العامة للحق".
وكما أن القانون أقر الحقوق وكفل حمايتها، فأنه في الوقت ذاته حذر صاحب الحق من التعسف في سلطته على حقه ورتب جزاًء على ذلك، يتمثل في إيقاع المسئولية عليه الموجبة رفع الضرر عن من أضره بتعسفه مع تعويضه، عملاً بالمادة (4) من القانون آنف الذكر والتي تنص على أن: (الضرر يجب أن يُزال ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند التعارض)، وهو ما يظهر جلياً من نص المادة (17) من القانون المدني والتي تنص على:(من أستعمل حقه استعمالاً مشروعاً لا يكون مسؤولاً عما ينشأ عن ذلك من ضررن أما من أستعمل حقه استعمالاً يتنافى مع الشرع والعرف فأنه يكون مسؤولاً عما يترتب على إستعماله غير المشروع من ضرر ويكون استعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية:
1- اذا لم يقصد به سوى الإضرار بالغير
2- إذا كانت المصالح التي يرمي إلى تحقيقها قليلة الأهمية بالقياس إلى ما يصيب الغير من ضرر بسببها،
3- اذا كانت المصالح التي يرمي الى تحقيقها غير مشروعة)، والواضح من النص أن المشرع أعتبر استعمال صاحب الحق لحقه استعمالاً ينافي الشرع والعرف تعسفاً، ووضح صور التعسف على سبيل الحصر والقصر لا على سبيل المثال وهو ما يتضح من عبارة: "ويكون إستعمال الحق غير مشروع في الأحوال الآتية".
ونرى من وجهة نظرنا المتواضعة وبالرجوع لنص المادة (4) من القانون المدني الآنف ذكر نصها أن تُضاف صورة رابعة من صور التعسف في إستعمال الحق والمتمثلة بــــــ(إذا تعارضت مصلحة صاحب الحق مع مفسدة تُصيب الغير)، كونها تؤدي للضرر أي النتيجة ذاتها التي تتحقق في صور الحق التي ذكرتها المادة (17) الآنف ذكر نصها، فمثلاً إذا رفع صاحب المنزل سوره خوفاً من تسلق اللصوص وسرقة محتوياته وأدى ذلك التصرف إلى حجب أشعة الشمس عن جيرانه، فعلى الرغم أن مصلحة صاحب الحق حماية منزله وله سلطة على حقه إلا أن هذه المصلحة تتعارض مع المفسدة التي قد تصيب الجيران، الأمر الذي يتسبب بضرر على الغير ما يتوجب تطبيق المادة (4) والتي أساسها قاعدة فقهية وشرعية، وكمثال آخر كما لو أتخذ صاحب المنزل منزله مكان لحرفته والذي قد تكون النجارة أو الحدادة وبجانبه منزل جاره كبير السن أو لديه أطفال ويزعجهم الأصوات المرتفعة التي تنتج عن عمل الحدادة أو النجارة، وغيرها من الأمثلة والتي قد تختلف وفق ظروف كل واقعة.
وكما أننا ذكرنا آنفاً في المادة (136) من القانون ذاته أن ثبوت الحق أو نفيه يتم وفق الوسائل والطرق المحددة في قانون الإثبات الشرعي، فأن الأمر كذلك ينطبق في حال التعسف وتحقق إحدى صور التعسف المحددة قانوناً في المادة (17) من القانون المدني آنفة الذكر.
ولا يفوتنا إيراد التفرقة بين أمرين كما رأوا شُراح القانون، الأمر الأول إستعمال الحق والثاني تجاوز الحق أو الخروج عن الحق، فالأول لا يتجاوز صاحب الحق مضمون حقه المشروع والمكفول قانوناً إلا أنه ينحرف في غرضه من إستعمال حقه، أما الثاني فيتعدى صاحب الحق لمضمون حقه المشروع والمكفول قانوناً، "د. عبدالله محمد المخلافي، نظرية الحق".
وأخيراً وجب على كل صاحب حق ألا يخرج عن حدود حقه، مالم فسيعرض نفسه للمسئولية القانونية كما أوضحنا.
هذا (وفوق كل ذي علم عليم)،،،