#نطاق سلطة المحكمة في تكييف الواقعه الاجرامية

#نطاق سلطة المحكمة في تكييف الواقعه الاجرامية

"دراسة تحليلية موجزه" 

المستشار/ د. صالح عبدالله المرفدي 

قاض محكمة نقض

#تمهيد:

يعدّ موضوع سلطة المحكمة في تكييف الواقعه الاجرامية المعروضة أمامها، من أهم الموضوعات التي تحتاج لدراسة معمّقة؛ لأنها دائمًا ما تكون محلّ خلاف بين المحكمة والنيابة ودفاع المتهم، وينبني على هذا الخلاف، أسئلة واستفسارات عديدة، تحتاج الى اجابات وتوضيحات نوجزها بالاتي: 

  ترى ما مدى نطاق سلطة المحكمة في تكييف الواقعه الاجرامية؟ وماهو موقف المشرّع اليمني في هذا الخصوص، بالمقارنه مع المشرّع المصري؟ وماذا يعني تعديل وصف التهمة أو تغيير التهمه؟ وهل هناك فرق بينهما؟ ومن هي المحكمة المختصه بتعديل التهمه أو تغييرها؟ وهل هو جوازي أم وجوبي؟ وهل يؤثر التعديل أو التغيير على عقيدة القاضي وتستنفذ معها ولايته؟ وما مدى التعارض بين التعديل أو التغيير التي تجرية المحكمة، مع التزامها بحدود سلطتها في الدعوى الجزائية؟ كل هذة الاسئلة سنجيب عليها قدر الامكان في هذة الدراسة المتواضعه.

 ومن هذا المنطلق، ونظرًا لأهمية هذا الموضوع في التطبيق العملي، سنجري هذة الدراسة الموجزة في خمسة محاور: نستعرض في الاول النصوص القانونية المطلوب دراستها، ونعمل على تحليلها ومقارنتها ببعض، ونتناول في المحور الثاني مفهوم تعديل وصف التهمة وشرطة، ونتطرق في الثالث لمفهوم تغيير التهمة وشرطه، ونتحدث في المحور الرابع عن الاختصاص وحكم التعديل أو التغيير، ونخصص الخامس لاشكالية التعارض بين التعديل أو التغيير مع حدود سلطة المحكمة في نظر الدعوى الجزائية، ونختم هذة الدراسه بوضع التوصيات والمقترحات المناسبة كلما أمكن ذلك.

                                 

#المحور الاول: التفرقه بين النصوص القانونية:

- اولا: النصوص القانونية:

1- القانون اليمني : مادة( 366 إجراءات): "للمحكمة أن تعدّل في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند إلى المتهم. و على المحكمة في جميع الأحوال أن تنبه المتهم إلى هذا التعديل، وأن تمنحه أجلا لتحضير دفاعه بناء على هذا الوصف والتعديل الجديد إذا طلب ذلك".

2- القانون المصري: المادة (308 إجراءات): "للمحكمة أن تغير في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند للمتهم، ولها تعديل التهمة بإضافة الظروف المشددة التي تثبت من التحقيق أو من المرافعة في الجلسة، ولو كانت لم تذكر بأمر الإحالة أو بالتكليف بالحضور. وعلى المحكمة أن تنبه المتهم إلى هذا التغيير، وأن تمنحه أجلاً لتحضير دفاعه بناء على الوصف أو التعديل الجديد إذا طلب ذلك".


- ثانيا: أوجة التفرقه:

يتضح من خلال النصين السابقين، اختلافهما في بعض النقاط الاتيه:

أ- إن لفظ التعديل ورد في النص القانوني اليمني، بينما ورد لفظي التعديل و التغيير في النص المصري.

ب- بالعودة للمدلول اللغوي للفظي التعديل والتغيير، الواردين في نص المادتين السابقة، نجد أنهما يختلفان عن بعض الى حدّ ما، فالتعديل لغة يعني: إجراء تعديلات جزئية على شيء ما دون تغييره بشكل جذري. أما التغيير فيعني: الاستبدال أو التحويل من حالة أو شكل إلى شكل آخر تمامًا.

ج- لم يقتصر الأمر على اختلاف الالفاظ بين النصين بل شمل العبارة بالكامل، فالنص المصري اجاز تعديل وصف التهمة، كما أجاز تغيير التهمة، اما النص اليمني فصرّح بتعديل وصف التهمة، ولم يذكر تغيير التهمة بتاتاً.

د- أكّد المشرع المصري، أن تعديل التهمة يكون باضافة الظروف المشددة الى الواقعه، ولم يكن المشرّع مصيبا لغويا في إستخدام لفظ (التعديل)، والاصحّ لغويا استخدام لفظ (التغيير)؛ لإنه أكثر وضوح وصراحة في تغيير كيان التهمه، الأمر الذي استدركه في الفقرة الثانية من نفس المادة، وأوجب صراحة آن التغيير يحتاج لتنبيه المتهم لتحضير دفاعه، وبالمقابل لم يذكر المشرع اليمني إضافة الظروف المشددة، بل أنه لم يذكر لفظ التغيير من أساسه، على الرغم أنه صرّح بوجوب تنبيه المتهم، بتعديل وصف التهمة، فهل يعني هذا أن تعديل وصف التهمة، يدخل في حكم تغيير التهمه؟

للاجابة على هذا التساؤل، فقد وجدنا أن هناك اختلاف بسيط في المعنى من حيث اللغه، كما ذكرناه في البند الثاني، اما من الناحية الاصطلاحية القانونية، فسنجيب على هذا التساؤل عند دراستنا للمحور الثاني والثالث بالتفصيل.

#المحور الثاني: تعديل وصف التهمه:

تماشياً مع ما تم ذكرة، من تحديد مفهوم التعديل لغة، وبالاستناد الى نص المادة (٣٦٦ع يمني)، والمادة (٣٠٨ع مصري)، يكون تعديل وصف التهمة على صورتين:

- الصورة الاولى/ التعديل المُجرّد:

وفيه تُعدّل المحكمة بشكل مُجرد، الوصف غير الصحيح للتهمة، وتقرر إسباغ الوصف الصحيح عليها، دون أن يكون فيه مساس بجانب الواقعة التي دخلت حوزتها.

- ومثالها: تعديل وصف الواقعة من سرقة إلى إخفاء أشياء مسروقة، ومن شروع في اغتصاب إلى هتك عرض، ومن قتل عمد إلى قتل شبه عمد، ومن نصب إلى خيانة أمانة. والملاحظ على هذة الامثله، أن التعديل يسري على وصف التهمة بشكل مُجرّد، دون إضافة افعال أو وقائع جديدة، لم تكن واردة أصلاً في قرار الاتهام. 

- اما الصورة الثانية: فهو الاستبعاد:

وفيه، يكون عمل المحكمة مُجرد استبعاد لأحد الظروف المشددة، التي دخلت حوزة المحكمة مع الواقعة الأصلية.

- ومثالها: التعديل من سرقة بإكراه إلى سرقة مُجرده؛ وذلك لاستبعاد ظرف الإكراه، أو من قتل عمد بوسيلة وحشيه أو مع توافر احدى الظروف المشددة في الفقرات الاخيرة من المادة (٢٣٤) إلى قتل عمد مُجرّد، يستدعي الحكم بالاعدام قصاصاً دون الجمع مع الاعدام تعزيرًا، أو من اغتصاب متعدد الجناة الى اغتصاب فردي. ويتضح من هذة الحالات، أن التعديل اقتصر على استبعاد الظرف المشددة المقترن بالجريمة، مع بقاء الواقعه الأصلية كما هي.

ولعله من المفيد التنويه، الى أن أهم شرط للصورتين السابقة في تعديل وصف التهمة هو، الا يترتب على تعديل هذا الوصف، إساءة مركز المتهم، وبمعنى أدقّ، أن لا يكون التعديل الى الوصف المشدد للعقوبة.. لذلك، لم يستلزم المشرع المصري، تنبيه المتهم لتحضير دفاعه؛ بسبب هذا التعديل الذي يكون في مصلحته، أو يبقى الوصف كما هو مرفوع من قبل النيابة، وعلى العكس من ذلك، أستلزم المشرع اليمني تنبيه المتهم لتحضير دفاعه؛ لأنه "وباعتقادي" أدمج مفهوم تعديل وصف التهمة في تغييرها، وأسبغ عليهما حكماً واحدًا. كما تجب الاشارة هنا، أن تعديل وصف التهمة لا يقتصر على مجرد استبعاد الظروف المشددة، بل قد يشمل استبعاد العناصر المكمله للاتهام، ومنها تنزيل القصد الجنائي، من عمد الى شبه عمد أو حتى الى خطأ، ومنها كذلك تنزيل درجة المساهمة، من فاعل الى شريك، أو من مباشر الى متمالئ.


#المحور الثالث: تغيير التهمة:

بالاستناد لمفهوم التغيير لغة والوارد في المحور الاول، وباعتباره تحويرًا في كيان التهمة، (بإضافة) عناصر أخرى إلى الواقعة التي أقيمت بها الدعوى، على أن تكون التحقيقات أمام المحكمة قد شملتها.. لذلك، فإن لتغيير التهمة صورتين:

- الصورة الاولى: نتائج إجرامية جديدة:

وفيها تقرر المحكمة إدخال نتيجة اجرامية جديدة، ترتبت على ارتكاب الجريمة، ولم تكن موجودة من السابق؛ بسبب عدم استقرار هذة النتيجة، وتغييرها من ضرر أخف الى ضرر أكبر على المجني عليه.

- ومثالها: رفع الاتهام بالاصابه الخطا، ثم يتوفى المجني عليه أثناء المحاكمة، فتغييرها المحكمة الى قتل خطأ، ويشمل ذلك، الرفع بالشروع بالقتل، ثم يتوفى المجنى عليه، فتغييرها المحكمة الى جريمة قتل تامه.

- الصورة الثانية: إضافة ظروف مشددة:

وتقرر المحكمة ذلك وتستخلصها من التحقيق القضائي، والمرافعات، والادلة المشهودة والمقروءة امامها، رغم عدم ورودها في قرار الاتهام.

- ومثالها: هي نفس الحالات الواردة في الصورة الأولى لتعديل وصف التهمة.. اللهمّ أن التغيير يكون، باضافة هذة الظروف المشددة، على عكس التعديل فيكون باستبعادها.

ولا مناص من القول، طالما وأن (تغيير التهمة) كما هو معلوم، يكمن باضافة نتيجة اجرامية جديدة، أو إضافة ظرف مشدد للجريمة، فمن الطبيعي، أن يترتب عليها تطبيق عقوبة أشدّ، ومن البديهي، أن تنبيه المحكمة للمتهم لتحضير دفاعه يكون وجوبياً، ذلك أن عدم تنبيهه يعدّ إخلال جوهري بحق الدفاع، ويترتب عليه البطلان المطلق المتعلق بالنظام العام. ولا بد من التأكيد هنا، أن تغيير التهمة لا يقتصر على مجرد إضافة ظروف مشددة ارتبطت بالجريمة، أو لمجرد اضافة نتائج اجرامية، بل قد يمتد الى رفع درجة القصد الجنائي، من خطا الى شبه عمد، أو الى حتى عمد، وقد يمتد كذلك، الى رفع درجة المساهمه، من متمالئ الى فاعل مباشر، أو حتى من شريك الى فاعل.

 ومما تجدر الاشارة بالقول، أن تغيير وصف التهمة يمكن أن يسري الى ما بعد صيرورة الحكم نهائيًا، وهذا ما سلكة المشرّع اليمني في المادة (٣٩١ إجراءات)، حيث اجاز إدخال نتائج اجرامية جديدة من نوع أشد، لم تكن مطروحه على المحكمة قبل صيرورة الحكم نهائيًا، ومنح للنائب العام الحق في طلب المحكمة العليا، بأن تأمر باعادة المحاكمة بالتشديد أو التخفيف، وفي "رأينا المتواضع"، أن المشرع اليمني لم يكن مصيبا في مسلكه؛ لإن هذا يؤدي الى هدم حجية الاحكام القضائية؛ باعتبار أن من تضرر من صيرورة الحكم نهائيًا، يقتضي منه عقلًا ومنطقا تقديم طعنه وفقًا للطرق المقررة في القانون، وهذا ما سلكته أغلبية التشريعات العربية ومنها التشريع المصري (م٤٥٥)، حيث حظر إعادة المحاكمة بعد صيرورة الحكم نهائيًا، ولو ظهرت أدلة أو ظروف أو نتائج اجرامية جديدة بعد الحكم. بينما اتجهت القلّه من التشريعات العربية بنفس أتجاه التشريع اليمني واجازت إعادة المحاكمة، كالقانون العراقي (م٣٠٣)، والكويتي (م١٨٥)، والسوداني (م١٣٢ فقرة ٢)، وان كانت تلك القلة من التشريعات أكثر وضوحا وصراحة من التشريع اليمني، بحيث أجازت إعادة محاكمة الشخص عن نتائج إجرامية جديد؛ (شريطة) أن تشكل تلك النتائج الإجرامية جريمة أخرى مستقله عن الجريمة التي حوكم فيها، وهو الشرط الذي لم ينص عليه التشريع اليمني!


#المحور الرابع: الاختصاص والحكم:

- اولا: الاختصاص:

أ- بالنسبه لتعديل وصف التهمه:

كقاعدة عامة، حق تعديل الوصف القانوني للتهمة، هو حق للمحكمة الابتدائية، كما هو حق لمحكمة الاستئناف، ويترتب على ذلك، اذا رأت محكمة الاستئناف وفق سلطتها التقديرية، أن الامر يستدعي التعديل في التهمه، فعليها أن تتدارك ذلك، ولا يجوز لها إعادة القضية للابتدائية؛ لأنها في الأصل محكمة موضوع، ويتم اعادة طرح القضية أمامها من جديد؛ ولأن حق التعديل يجوز استعماله وفق سلطتها التقديرية، وعلى استقلال كل محكمة على حده.

ب- أما بالنسبه لتغيير التهمه:

فيختلف حق محكمة الاستئناف في تغيير التهمة، عن حقها في تعديل وصف التهمة، فإذا أتضح للاستئناف، أن المحكمة الابتدائية لم تتعرض لتغيير التهمة نفسها، سواءً باضافة نتائج إجرامية جديدة، أو باضافة ظروف مشددة مرتبطة بالجريمة، وأن الأمر يقتضي تعديل التهمه، وغفلت المحكمة الابتدائية عن هذا التغيير ولم تتخذه، فيجب على الاستئناف اعادتها للابتدائي؛ لتقضي فيما أستجد من نتائج اجرامية؛ أو ادخال ظروف مشددة للجريمة؛ ولأن هذا التغيير اذّ ما ثبت بالادله امام المحكمة الابتدائية، فالامر يقتضي تشديد العقوبة، وكل ذلك يتم؛ مراعاةً لعدم حرمان المتهم درجة من درجات التقاضي، وتسري هذة القاعدة على المحكمة العليا، فيجب عليها ان تعيد القضية للمحكمة الابتدائية.. حتى في حال تعديل العقوبة اذا كانت في غير صالح المتهم، كآن تحكم المحكمة الابتدائية بالإعدام قصاصًا وتؤيدها محكمة الاستئناف، ثم يتقدم اولياء الدم بتنازل عن القصاص اثناء نظرها امام العليا، فحينئذ يجب على الاخيرة ان تعيد القضية الى الايتدائي لمحاكمته بشان تقرير العقوبة التعزيرية البديلة، وتمنح المتهم اجلا للدفاع، وحتى لا تفوت عليه درجات التقاضي!.

- ثانيا: حكم التعديل أو التغيير:

أ- من حيث الجواز والوجوب:

هناك خلاف قانوني، حول مدى جواز أو وجوب تطبيق نص المادتين (٣٦٦ و ٣٠٨ يمني ومصري على التوالي)، فهل خطاب النصين يفيد جواز تطبيق تعديل التهمة أو تغييرها، أم أن الامر يقتضي وجوب تطبيق النصين؟؟ في حقيقة الامر، اذا عدنا الى تفسير النصين القانونيين بقولهما: "للمحكمة تعديل أو تغيير"، فهذا يعني أن التطبيق جوازي وليس وجوبي، وهذا ما أيدته التطبيقات القضائية في اليمن، وعلى العكس من ذلك، فمحكمة النقض المصريه، أعتبرت تكييف الواقعة الاجرامية من قبل المحكمة المختصه، واجباً عليها، اذّ ماثبت لديها بالدليل، أن الأمر يستدعي التعديل أو التغيير، فهي ملزمه بتطبيق صحيح القانون، وابراز دورها الإيجابي في تسيير الخصومة.. وأميل الى ترجيح الرأي الاخير، لا سيما اذا ظهر امام المحكمة، أن الادلة صريحة وقاطعه، تستدعي التعديل أو التغيير، فصار الأمر وجوبياً لا جوازياً.

ب- من حيث الولاية:

يرى البعض أن هناك شبهة، حول اظهار عقيدة القاضي واستنفاد ولايته، في حال ما قرر تعديل وصف التهمة أو تغييرها، ونبّه المتهم لتحضير دفاعه قبل صدور حكمة.. فيما يرى البعض الأخر، أن ذلك لا يؤثر على تكوين عقيدته؛ لأن ما أتخذة القاضي من قرار بالتعديل التهمة أو تغييرها، هو مجرد قرار إجرائي تحضيري، لزم اتخاذه قانونًا، ويقابله منح المتهم لتحضير دفاعه والرد على هذا الاجراء.. وبين هذا الرأي وذاك، فأنني أميل الى ترجيح الرأي الأخير؛ لأن القانون أوجب على المحكمة، ممارسة دورها الايجابي في تسيير الخصومة إجرائيا، فكما يحق لها تعديل وصف التهمه أو تغييرها، فانه من الواجب تنبيه المتهم لتحضير دفاعه، ثم أن هذا الحق التي تمارسه المحكمة، يجب أن يستند لأدله قانونية طرحت امامها، وإن هي اغفلت هذا، فان المحكمة الأعلى تراقبها في صحة تطبيقها للقانون.


#المحور الخامس: إشكالية التعارض بين تعديل أو تغيير التهمة، وحدود الدعوى الجزائية للمحكمة:

اختلف شراح القانون حول مدى التعارض، بين تعديل أو تغيير المحكمة للتهمة وفقاً للمادة (٣٦٦) إجراءات، مع ضرورة التزام المحكمة بقيود وحدود الدعوى الجنائية، عملاً بنص المادة (٣٢)، وذلك على مذهبين:

المذهب الاول: 

لا يقرّ بوجود التعارض، وحججهم هي:

١- أن سلطة تغيير التهمة من قبل المحكمة، تستند على أساس قانوني، فيجوز ادخال الظروف المشددة الى الواقعه الاجرامية المرفوعه من النيابه، سواءً كانت هذة الظروف مرتبطة ارتباط لا يقبل التجزئه، أو غير مرتبطة كذلك.

٢ - إن حسن سير العدالة، يقتضي إجراء تغيير التهمة، سواء لمصلحة المتهم أو ضده، فاذا ثبت تحقق ظروف مشددة أمام المحكمة، فيحق لها أن تغيير التهمة باضافة تلك الظروف.

 المذهب الثاني:  

يقرّ بوجود التعارض، وحججهم كالاتي:

١- إن تغيير الاتهام بالذات، قد يستند على أساس قانوني غير الذي رفعت فيه الدعوى الجزائية، فقد يكون هناك ظرف مشدد لكنها تقبل التجزئة، وتعتبر بحد ذاتها جريمة مستقله، ويجب على المحكمة حينئذً احالتها للنيابه للتحقيق بشأنها.

٢- إن تغيير الاتهام يؤدي الى اهدار ضمانات العدالة، فمجرد قيام المحكمة بضم الظروف المشددة الى الجريمة، واستمرار إجراءاتها بالمحاكمة، فكأنها جمعت بين سلطتي التحقيق والاتهام، وهذا لا يجوز باتفاق شراح القانون.  

 وفي رأينا المتواضع: بعد الجمع بين المذهبين، فإن اضافة ظروف مشددة للواقعه الاجرامية المرفوعه من النيابة، لا يتعارض مع مبداء تقييد المحكمة بحدود الدعوى الجزائية، في حال توافر ثلاثة شروط:

- أولها/ أن تكون الظروف المشدد الذي يتم استخلاصه من قبل المحكمة، قد تمت أثناء التحقيق القضائي، ومن خلال الوقائع المرفوعه بقرار الاتهام نفسه لا بوقائع خارجه عن الاتهام، وعن طريق الادله المعروضه امامها.

- ثانيا/ أن تكون تلك الظروف مرتبطة ارتباطاً لا تقبل التجزئة بالواقعه الاجرامية الأصلية ولا تشكل جريمة مستقله، فالسرقة اذا ما كانت مقترنه بالاكراه، فان ظرف الاكراه مشدد لا يقبل التجزئه، بعكس اذا سبق الاغتصاب خطفًا، فإن الخطف يعد جريمة مستقله، ويجب على المحكمة احالتها للنيابة؛ للتحقيق في جريمة الخطف.

- ثالثا/ أن من الواجب على المحكمة في حال تغيير التهمة، أن تنبه المتهم صراحة لتحضير دفاعه، واذا ما غيرت التهمه وادخلت نتائج اجرامية جديدة، أو ظروف مشددة، يكون حكمها باطل؛ لاخلالها بحق الدفاع الجوهري، لأن الامر قد يقتضي تشديد العقوبة.


#خاتمة النتائج والتوصيات:

- اولا: النتائج:

استنتاجاً لكل ما سبق ذكره، يتضح أن أوجه الاختلاف بين تعديل وصف التهمة من جهة، وبين تغيير التهمة من جهة أخرى، يكمن في الأتي:

١ - تعديل التهمة يكون باستبعاد أي ظروف أو احوال أو نتائج، تشدد العقوبه، بينما تغيير التهمة، يكون باضافة ظروف أو نتائج أو احوال، تؤدي الى تشديد العقوبه.

٢ - التعديل لا يستلزم فيه تنبيه المتهم من المحكمة؛ لأنه لا يؤدي الى تشديد العقوبة، بعكس التغيير فوجب تنبيه المتهم؛ لأنه قد يؤدي لتشديد العقاب عليه.

٣ - التعديل تختص به المحاكم الابتدائية والاستئنافيه والعليا كذلك، أما تغيير التهمة فلا يكون حقا ثابتا إلا للمحكمة الابتدائية، وإن وجدت المحكمة الأعلى درجه، أن الامر يقتضي التغيير، فيجب إعادة القضية للابتدائي للعمل بذلك؛ حتى لاتفوت على المتهم درجة من التقاضي. وعلى العكس من ذلك، فإن أوجه الشبه، بين تعديل التهمة وتغييرها، هو عدم تجاوز المحكمه لصلاحيتها في التعديل أو التغيير، ويتحقق ذلك، بمنعها من اضافة وقائع جديدة، أو اضافة متهمين جدد، لم يرد ذكرهما في قرار الاتهام… واستنادًا لما سبق ذكره، ولسد الثغرات والقصور في النص القانوني اليمني، بالمقارنه مع النص القانوني المصري، ندعو المشرع اليمني بالأتي:


- ثانيا: التوصيات:

١- نوصي بتعديل نص المادة (٣٦٦) إجراءات جزائية، وعلى النحو الاتي: "للمحكمة أن تعدل في حكمها الوصف القانوني للفعل المسند للمتهم، ولها كذلك تغيير التهمه، باضافة النتائج الاجرامية، أو الظروف المشددة، التي تثبت من التحقيق أو المرافعه، وعلى المحكمة، أن تنبه المتهم الى هذا التغيير، وأن تمنحه أجلاً لتحضير دفاعه، بناءً على هذا التغيير الجديد ولو لم يطلب ذلك".

٢- نقترح إضافة الحق في تقديم طلب تغيير التهمه، لمصلحة "المدعي بالحق الشخصي"، الى المادة (362) إجراءات، سواءً كان المجني عليه نفسه، أو أولياء الدم ورثته، وذلك في احوال القصاص والدية والأرش دون غيرها.

   وينطوي اقتراحنا الاخير هذا لعدة اعتبارات، أهمها:

 أ - إن المجني عليه أو المدعي بالحق الشخصي، خصمًا منضما للنيابة العامة في الدعوى الجزائية، وهذا الاستثناء ورد في القوانين التي تعاقب على القصاص أو الديه أو الارش، ومنها النظام الجنائي السعودي، وقانوني العقوبات الليبي والسوداني.

ب - لا يكفي القول بأن النيابه، هي التي تملك هذا الحق، وما المدعي بالحق الشخصي، إلا طرفًا منضمًا لها، وللرد على ذلك، فإن الفقرة الاخيرة من المادة (٤٢٦ إجراءات)، اكّدت صراحة: "بجواز أن يكون الاستئناف مرفوعًا من المدعي بالحق الشخصي أو ورثته، وبدون استئناف النيابة، وان لمحكمة الاستئناف تأييد الحكم أو تعديله لمصلحة رافع الاستئناف". فيستفاد من هذة الفقرة، أن القانون منح المدعي بالحق الشخصي أو ورثته، الطعن بالاستئناف بدون انضمام النيابه، وهي مرحلة أعلى من الابتدائي، فكيف لا نمنحه مُجرد تقديم طلب تغيير التهمه لمصلحته، في احوال القصاص والدية والارش دون غيرها.

ج - أن المادة (13 عقوبات) أكدت صراحة بأن جرائم القصاص، هي حقًا شرعي للعباد، سواءً كانت جرائم تقع على النفس مطلقا، أو جرائم تقع على مادون النفس، فكيف سيمارس حقه هذا، ونحن نمنعه من مجرد تقديم طلب تغيير التهمه لمصلحته، لا سيما إذا امتلك أدلة قاطعه، سواءً في المرحلة الابتدائية أو الاستئنافية.  

د - إن حرمان المدعي بالحق الشخصي أو ورثته من ممارسة حقوقهم الشرعيه، بمجرد منعه من حيث المبدأ تقديم طلب تغيير التهمة، لهو اجحاف وظلم صريح؛ لأن هناك فرق كبير بين مجرد تقديم الطلب من جهة، والحكم فيه من جهة أخرى، فلماذا لا يمنح من ممارسة حقه في تقديم الطلب ويرفضه ابتداءً؛ طالما وأن الحكم يعود للقاضي بالقبول أو الرفض، وطالما أن هذا الحكم سيستند لأدلة شرعيه وقانونية صريحه، سواءً لصالح مقدم الطلب أو ضده.

٣- نرى من المستحسن تعديل نص المادة (٣٩١ إجراءات)، بحيث يصبح نصها كالاتي: 

مادة(391): لا يجوز الرجوع إلى إقامة الدعوى الجزائية بعد صدور حكم نهائي أو بات فيها، بناء على ظهور أدلة جديدة أو ظروف جديدة، على أنه إذا تخلف عن الفعل بعد صدور الحكم النهائي أو البات (نتائج او افعال إجرامية جديدة)، تجعل منها جريمة مستقله عن الجريمة التي حوكم فيها المدان، ولم تكن مطروحه على المحكمة، فجاز للنائب العام خلال ثلاثة أشهر من يوم العلم بذلك، أن تطلب إلى المحكمة العليا بأن تأمر بإعادة المحاكمة بالتشديد، و يجب على القاضي الابتدائي عند الحكم من جديد، أن يسقط من العقوبة المحكوم بها ما يكون قد تحمله المحكوم عليه من العقوبة التي سبق القضاء بها.

ولزيادة ايضاح مقترح التعديل، نضرب مثالا على ذلك (الشروع في القتل) فإذا تم التحقيق والمحاكمة بدرجاتها الثلاث تحت هذة التهمة، وأدين المتهم بها وحكم عليه، ثم توفى المجني عليه بعد صيرورة الحكم نهائي أو بات بسبب الشروع بالقتل، فهنا يجاز إعادة محاكمته؛ لان الجريمة أصبحت قتل عمد تحققت فيها وفاة المجني عليه، بدلا عن الشروع في القتل، كل ذلك وفق النص المقترح بالتعديل والمذكور سلفًا. هذا اجتهادنا.. والله أعلم، وهو الموفق للصواب.

تعليقات
* لن يتم نشر هذا البريد الإلكتروني على الموقع.