القرار الاداري لرئيس مجلس القضاء الأعلى رقم (٤١) لسنة ٢٠٢٥ بشأن تعديل قانون الرسوم القضائية
أزمة دستورية حادة وانتهاك للمشروعية في الجمهورية اليمنية
أ.د. علي مهدي العلوي بارحمة
#اعرف_حقك_وقانونك ⚖️🇾🇪
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
تمهيد:
بتاريخ ١٠ ذو القعدة ١٤٤٦ الموافق ٠٨ مايو ٢٠٢٥، صدر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى القرار رقم (٤١) لسنة ١٤٤٦هـ - ٢٠٢٥م، والذي قضى بتعديل نصوص المواد (٥, ٦, ٧, ٩, ١٠, ١١, ١٢, ١٣, ١/١٥, ١٦, ١٧, ١٨, ١٩, ٢٠, ٢١, ٢٢, ٢٣, ٢٤, ٢٥, ٢٧, ٢٨, ٢٩, ١/٣٠) من القانون رقم (٢٦) لسنة ٢٠١٣م بشأن الرسوم القضائية النافذ.
أثار القرار رقم (٤١) لسنة ٢٠٢٥ الصادر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى، جدلاً واسعاً في الأوساط القانونية والقضائية، والشعبية لما يحمله من إشكاليات خطيرة تتصل بمدى مشروعيته وموافقته لأحكام الدستور والقانون.
فقد اعتبر كثير من فقهاء القانون، والقضاة والمحاميين أن هذا القرار يمثل سابقة خطيرة في مسار القضاء اليمني، كونه يتجاوز الصلاحيات الدستورية الممنوحة لمجلس القضاء الأعلى، ويخل بمبدأ سمو الدستور، وسيادة القانون. وتستفحل خطورة الخرق لمبدأ المشروعية الدستورية لصدوره من رأس الهرم الإداري للسلطة القضائية. ولكي نقف امام حالة ذلك القرار من خلال المواقف الاتية:
أولاً - مخالفة ذلك القرار لمبدأ المشروعية الدستورية:
المادة رقم (١٢) من الدستور نصت صراحةً على (يراعى في فرض الضرائب والتكاليف العامة مصلحة المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية بين المواطنين.) وكذلك قيد الدستور في المادة رقم (١٣) الفقرة (أ) في احكامها واجبة التطبيق عندما نصت على: (إنشاء الضرائب العامة وتعديلها والغاؤها لا يكون إلا بقانون ولا يعفى أحد من أدائها كلها أو بعضها إلا في الأحوال المبينة في القانون ولا يجوز تكليف أحد بأداء غير ذلك من الضرائب والرسوم والتكاليف العامة إلا بقانون). وجاء نص الفقرة (ب) من نفس المادة: (إنشاء الرسوم وجبايتها وأوجه صرفها وتعديلها ولإعفاء منها لا يكون إلا بقانون). واصدار القوانين اختصاص حصري لمجلس النواب (البرلمان).ومع كل ذلك الدستور اليمني دستور جامد، رسم بدقة صلاحيات مجلس القضاء الأعلى باعتباره السلطة الإدارية العليا المسؤولة عن إدارة شؤون السلطة القضائية وفقا لأحكام المادة رقم (١٥٢) من الدستور: والتي جاء في نصها (يكون للقضاء مجلس أعلى ينظمه القانون ويبين اختصاصاته وطريقة ترشيح وتعيين أعضائه، ويعمل على تطبيق الضمانات الممنوحة للقضاة من حيث التعيين والترقية والفصل والعزل وفقاً للقانون، ويتولى المجلس دراسة وإقرار مشروع موازنة القضاء، تمهيداً لإدراجها رقماً واحداً في الموازنة العامة للدولة).
وغير أن القرار (٤١) لسنة ٢٠٢٥م جاء مخالفاً قلبا وقالبا لتلك القواعد التي تشكل جزء من صميم مبدأ المشروعية الدستورية.
فكيف لقرارا اداري يعدل قانون نافذ؟ وكيف لذلك القرار الإداري ان يخترق اختصاصات مجلس النواب (البرلمان)؟!
ثانياً - مخالفة ذلك القرار صراحة لقانون السلطة القضائية:
ينص قانون السلطة القضائية رقم (١) لسنة ١٩٩١م وتعديلاته على أن مجلس القضاء الأعلى يتولى إصدار القرارات المتعلقة بتعيين أو نقل أو مساءلة القضاة وفقاً لإجراءات محددة حصراً في المادة رقم (١٠٩). وجاء ذلك القرار متجاهلاً هذه الضوابط القانونية، ومارس فضيلة القاضي رئيس المجلس صلاحيات لا تدخل في اختصاصات مجلس القضاء الأعلى وغير مقررة في القانون، مما يشكل "اغتصاباً لاختصاص السلطة التشريعية" ويفتح الباب على مصرعيه للطعن في ذلك القرار بعدم المشروعية من جانب، ومن جانب اخر احدث خلل في مسؤولية السلطة القضائية عن الرقابة الدستورية.
ثالثاً - انعكاسات القرار على ثقة المجتمع:
القضاء هو الملاذ الأخير للمواطنين، وإذا خالفت قراراته المشروعية الدستورية، فإن الثقة المجتمعية فيه حتما تتآكل. حيث جاء ذلك القرار تعسفياً محض، وقضى برفع الرسوم القضائية على الدعاوى بمختلف أنواعها، والخدمات القضائية للمواطنين بنسبة حوالي ٣٠٠٪. ويعد ذلك انتهاك مباشرا للحقوق المكفولة للمواطنين، وأصبح معضلة وعبء مالي في وجه تلك الحقوق والتي معه يعجز المواطن عن الحصول عليها، وبالتالي يعتبر ذلك القرار مخالفة صريحة لنص المادة رقم (٥١) من الدستور التي تنص على (يحق للمواطن أن يلجأ إلى القضاء لحماية حقوقه ومصالحه المشروعة وله الحق في تقديم الشكاوى والانتقادات والمقترحات إلى أجهزة الدولة ومؤسساتها بصورة مباشرة أو غير مباشرة).
ولقد عبر عدد من أساتذة القانون، والقضاة والمحامين في أحاديث غير معلنة عن رفضهم للقرار، غير أنهم يتجنبون التصريح العلني خوفاً من تبعات قد تطالهم. وهذا الصمت يعكس خطورة المرحلة التي يعيشها القضاء اليمني، حيث تحول مجلس القضاء قمة السلطة القضائية الإدارية إلى أداة لمخالفة الدستور والقانون بدلا من حمايته.
رابعاً: الحاجة الضرورية إلى مراجعة عاجلة:
للأسف الشديد إن استمرار العمل بالقرار الاداري رقم (٤١) لسنة ٢٠٢٥م بشأن تعديل قانون الرسوم وتعميمه للتنفيذ على كافة المحاكم من قبل قيادة وزارة العدل وهم يدركه تمام الادراك انه معيب دستورياً وقانونياً من حيث عدم مشروعيته وعدم اختصاصه، حتما سيعمق أزمة للمشرعية الدستورية، ويعرض السلطة القضائية لمزيد من الانقسام وفقدان المصداقية. والمطلوب اليوم وقفة مسؤولة من كافة الفاعلين: من الدول المانحة، والمجلس الرئاسي، ومجلس النواب، ومجلس الوزراء، والقضاة، وفقهاء القانون، ونقابات المحاميين، ونخب المجتمع المدني ومنظماته، للضغط باتجاه إلغاء هذا القرار وإعادة الاعتبار للمشروعية الدستورية والقانونية.
خامساً - فساد الهدف من ذلك القرار:
قرار رئيس مجلس القضاء الأعلى رقم (٤١) لسنة ٢٠٢٥ والذي قضى بتعديل قانون الرسوم القضائية رقم (٢٦) لسنة ٢٠١٣م النافذ بهدف زيادة ميزانية السلطة القضائية الزائدة ومعالجة ازمة مجلس القضاء الأعلى بأسلوب مخالف للدستور والقانون، على حساب المشروعية وكاهل المواطنين ومعيشتهم المثقلة بالعوز والفاقة.
ان ذلك القرار المعيب هو ليس مجرد إجراء إداري عابر، بل هو اختبار حقيقي لمدى التزام مؤسسات الدولة بالدستور وسيادة القانون. فإذا مر دون مراجعة أو إلغاء، فإننا أمام سابقة خطيرة لم تشهدها النظم القانونية في العالم. وستفتح الباب لمزيد من التشريعات الفوضوية المخالفة للمشروعية التي تهدم أسس العدالة الاجتماعية، وهو ما يشكل تهديداً مباشراً لحقوق المواطنين وحرياتهم. وسلامة الحركة التصحيحية الجارية في البلاد.
سادساً - خطوة أولى في مخاصمة القرار رقم (٤١) لسنة ٢٠٢٥م:
اذ نعرب بصفة شخصية: نحن أستاذ القانون الدستوري وطلاب الدكتوراه (قسم القانون العام) بكلية الحقوق – جامعة عدن - عن التوجه إلى المحكمة العليا (الدائرة الدستورية) وتقدمنا بدعوى دستورية بعدم مشروعية القرار رقم (٤١) لسنة ٢٠٢٥ الصادر عن رئيس مجلس القضاء الأعلى الذي قضى بتعديل القانون رقم (٢٦) لسنة ٢٠١٣م النافذ. وذلك استناداً إلى القواعد الدستورية التي تقضي بوجوب عدم مخالفة مبدأ المشروعية والفصل بين سلطات الحكم.
وجاءت دعوانا الدستورية انطلاقاً من مهمتنا العلمية من خلال دراستهم المنهجية المتعمقة في مساق القانون الدستوري "الدعوى الدستورية" أظهرت خطورة استمرار هذا القرار المخالف للدستور، مشددين على أهمية الدور الذي تضطلع به المحكمة العليا - الدائرة الدستورية في إلغاء القرارات غير الدستورية وحماية سمو الدستور وسيادة القانون من أي سلطة مهما بلغ مستواها، وتفعيل دور الرقابة القضائية على دستورية القوانين واللوائح والأنظمة والقرارات وفق نص المادة رقم (١٥٣) من الدستور، والى جانب حماية واستقلال القضاء، وضمان عدم تجاوز اختصاصاته الدستورية والقانونية.
وبالله التوفيق..